فصل: بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومولده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


محمد بن صالح العثيمين

بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومولده

مجموع فتاوى ورسائل - 7

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون‏}‏ ‏{‏يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبًا‏}‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا ‏.‏ يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا‏}‏‏.‏

أما بعد‏:‏

أيها الإخوة‏:‏ إن موضوع محاضرتنا في هذه الليلة هو موضوع مهم يهم جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو التذكير بما أنعم الله به على عباده المؤمنين بما من به عليهم من بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي بعثه الله لا إلى العرب فحسب، ولكن إلى جميع الناس كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ‏.‏ الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات

ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون‏}‏ أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم ممن آمن به وعزره ونصره واتبع النور الذي أنزل معه حتى ننال الفلاح وهو السعادة في الدنيا والآخرة، ثم قال جل وعلا‏:‏ ‏{‏قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون‏}‏‏.‏

إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول الذي هو الشهر الذي بدئ به الوحي لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولكن هذا كان بالرؤيا الصالحة‏.‏ كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ‏:‏ ‏(‏كان أول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتعبد فيه الليالي ذوات العدد‏)‏ حتى جاءه الحق ونزل جبريل عليه الصلاة والسلام من الله بالقرآن الكريم في شهر رمضان كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان‏}‏ وكانت المدة بين ربيع الأول وشهر رمضان ستة شهور، وهي بالنسبة لمدة الوحي التي نزل فيها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جزء من ستة وأربعين جزءًا لأن زمن الوحي كان ثلاثًا وعشرين سنة‏.‏ وستة الأشهر

بالنسبة لها جزء من ستة وأربعين جزءًا لهذا قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة‏)‏‏.‏

أيها الإخوة‏:‏ إننا في هذا الشهر شهر ربيع الأول نذكر إخواننا بما من الله به على عباده المؤمنين من بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق وأنزل عليه هذا الكتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور لا بنفسه ولكن بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد‏.‏ وفي هذه النعمة يقول الله عز وجل ‏:‏‏{‏لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين‏}‏ ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 164‏]‏‏.‏

لقد بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حين فترة من الرسل وانطماس من السبل بعد أن مقت الله سبحانه وتعالى أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، فكان الناس في ضرورة إلى بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشد من ضرورتهم إلى الطعام والشراب والهواء والأمن، كان الناس في جاهلية عمياء يعبدون الأشجار والأصنام ، والأحجار ويتعلقون بالمخلوقين حتى ذكر عن بعضهم أنه إذا نزل أرضًا أخذ أربعة أحجار فاختار منها واحدًا يعبده وثلاثة يجعلها رواسيَ للقدر قدر الطبخ فتأمل هذه العقول كيف انحدرت إلى هذه السخافة، يجعل الآلهة حجرًا واحدًا موازيًا تمامًا بالأحجار التي تُرس عليها القدور، وذكر عن بعضهم أنه كان يتخذ من التمر يعجنه ويصنعه تمثالًا حسب مزاجه، ثم إذا جاع أكله، ومن سخافتهم أيضًا أنهم يقتلون الأولاد ذكورهم وإناثهم خوفًا من الفقر كما قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئًا كبيرًا‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة الإسراء، الآية‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وكان بعضهم يقتل أولاده إذا افتقر بالفعل وفي هذا يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم‏}‏ ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 151‏]‏‏.‏ وكان بعضهم غنيًّا لا يخشى الفقر ولا يتوقعه إذا ولد له ابنة فإنه يئدها يدفنها وهي حية حتى قيل عن بعضهم ‏:‏إن ابنته وهو يحفر الحفرة لها فإذا أصاب التراب لحيته نفضت التراب من لحيته وهو يحفر لها ليرميها والعياذ بالله هذه العقول وهذه النفوس التي هي أقسى من أقسى السباع في الأرض كان الناس عليها حتى بعث الله محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذه الظروف التي تدعو الضرورة إلى بعثة مثل بعثة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعثه الله عز وجل من أجل أن ينتشل الناس من رق النفوس والهوى إلى عبودية الخلاق جل وعلا‏.‏

أخرجهم من عبودية النفس وعبودية الشيطان إلى عبودية الرحمن سبحانه وتعالى، ونحن نعلم كما ذكر الله تعالى في كتابه أن المشركين الذين بعث فيهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانوا يقرون بأن الله هو الرب وأن الله خالق السموات والأرض وأن الله مدبر الكون وأنه هو الذي بيده ملكوت كل شيء، كل ما يتعلق بتوحيد الربوبية فإنهم كانوا يقرون به ولا ينكرونه ولكنهم كانوا ينكرون توحيد العبادة فلا يوحدون الله تعالى بالعبادة بل يعبدون الأصنام والأشجار والأحجار وغير ذلك مما يسمح في نفوسهم وتمليه عليهم أفكارهم السيئة حتى إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما دعاهم إلى توحيد الله في العبادة وقال لهم‏:‏

{‏إنما الله إله واحد‏}‏ قالوا‏:‏ ‏{‏أجعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب‏}‏‏.‏

ومن العجب أنهم يقرون بتوحيد الربوبية دون الألوهية ولا ريب أن كل إنسان عاقل يقر بتوحيد الربوبية فإن إقراره ذلك حجة عليه أن يقر بتوحيد الألوهية‏.‏ لأنه إذا كان يقر بأن الخالق هو الله، المدبر هو الله، والمالك هو الله فكيف يكون هناك معبود مع الله ومن ثم تجدون الله عز وجل، يقرر توحيد الألوهية بتوحيد الربوبية ‏{‏يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون‏}‏، ‏[‏سورة البقرة، الآية‏:‏ 21‏]‏ فجعل توحيد الربوبية دليلًا ملزمًا بتوحيد الألوهية‏.‏

‏)‏ اعبدوا ربكم ‏(‏هذا هو توحيد الألوهية ألوهية بالنسبة لله وعبودية بالنسبة للخلق، ‏{‏الذي خلقكم والذين من قبلكم‏}‏، هذا هو توحيد الربوبية، فإذا كنتم تؤمنون بذلك فلماذا لا توحدونه بالعبادة، لماذا تعبدون الأصنام والأشجار معه، هذا دليل عقلي لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يحيد عنه ولهذا يذكر الله ذلك ملزمًا لهؤلاء المشركين أن يقولوا بأن الله إله واحد وصدق الله عز وجل‏.‏

أيها الإخوة ‏:‏ توحيد الألوهية ليس بالأمر الهين الذي يظنه كثير من المعاصرين اليوم أنه على الهامش وأن مجرد إقرار الإنسان برب خالق مدبر للكون حكيم في صنعه كاف في الإيمان والتوحيد، إن هذه النظرة نظرة بلا شك خاطئة، ولو كان التوحيد كما يراه هؤلاء بأنه إفراد الله أو بأنه الإيمان بأن الله وحده هو الخالق الرازق لو كان هذا هو التوحيد لم تكن هناك حاجة إلى إرسال الرسل لأن التكذيب بهذا التوحيد أو إنكار هذا التوحيد لم يقع إلا نادرًا ولا سيما فيما سلف من الأزمان، لكن التوحيد الذي بعثت الرسل لتحقيقه والقتال عليه هو توحيد الألوهية والذي يسمى أحيانًا بتوحيد العبادة لأنه إن نظرت إليه من جهة الله فسمه توحيد ألوهية وإن نظرت إليه من جهة الإنسان فسمه توحيد العبادة أو العبودية، المهم أن كثيرًا من الناس اليوم من المعاصرين الذين نالوا ما نالوا من الثقافة يركزون كثيرًا على توحيد الربوبية، وعندي أن توحيد الربوبية ليس بالأمر الأهم بالنسبة لتوحيد الألوهية، لأن منكريه قليلون وكل إنسان عاقل فإنه لابد أن يدرك أن لهذا الكون العظيم المنظم إلهًا خالقًا حكيمًا واستمع إلى قول الله تعالى في سورة الطور‏:‏ ‏{‏أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة الطور، الآية‏:‏ 35‏]‏‏.‏

هذا استفهام ‏{‏أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون‏}‏، وجوابه‏:‏ ما خلقوا من غير شيء ولا هم الخالقون‏.‏

لأنهم قبل أن يوجدوا عدم والعدم ليس بشيء، فضلًا عن أن يوجد شيئًا‏.‏ وهم أيضًا لم يخلقوا من غير شيء لأن خلق شيء من غير شيء مستحيل في العقل كل حادث فلا بد له من محدث ويذكر أن طائفة من السمنية وهم أناس من الوثنية الذين ينكرون الخالق أتوا إلى أبي حنيفة رحمه الله في العراق وقالوا ‏:‏ من الذي خلق هذا الكون فقال‏:‏ أمهلوني ثم أمهلوه وجاؤوا إليه وقال لهم ‏:‏ إني أفكر في سفينة جاءت محملة إلى نهر دجلة محملة بالبضائع وإن هذه السفينة نزلت البضائع وانصرفت بعد ذلك، أفكر هل يمكن هذا أم لابد من أناس يشحنونها أولًا ثم ينزلونها ثانيًا، فقالوا ‏:‏ كيف تفكر بهذا، هل هذا يحتاج لتفكير‏؟‏ هذا غير معقول قال‏:‏ إذا كان هذا غير معقول، فكيف يعقل أن هذه الشمس والنجوم والقمر والبحار والأنهار والأشجار النامية والإنس وكل ما نشاهده كيف يعقل أن يكون بدون موجد، هل هذا معقول فانقطعوا‏.‏

ولهذا جاءت الآية تستدل على أن الخالق هو الله عن طريق السبر والتقسيم فهم إما أن يخلقوا بدون خالق، أو يخلقوا أنفسهم، أو يكون لهم خالق وهو الله عز وجل وهذه الأخيرة هي النتيجة فتوحيد الربوبية أيها الإخوة لا ينكره إلا النادر النادر من الناس حتى من أنكره ممن قص الله علينا من نبأ إنكاره فإنما ينكرونه مكابرة وهم في قرارة أنفسهم يؤمنون به ففرعون قال لقومه حين حشرهم وناداهم قال لهم ‏:‏ ‏(‏أنا ربكم الأعلى‏)‏ ولم يكن صادقًا في ذلك‏.‏

لأن موسى قال له مجابهة ‏{‏لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورًا‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة الإسراء الآية‏:‏ 102‏]‏ لما قال هذا لفرعون هل قال فرعون له‏:‏ ما علمت ذلك‏.‏ أبدًا ما قال ولا استطاع أن يقول وكان يقول لقومه ‏:‏ ‏{‏يا أيها الملؤ ما علمت لكم من إله غيري‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة القصص، الآية‏:‏ 38‏]‏ ‏.‏ والخلاصة أن المهم بنا أيها الإخوة أن نحرص على بث روح التوحيد، توحيد الألوهية في نفوس الناس حتى يكون هدف الإنسان وجه الله والدار الآخرة في جميع شؤونه في عبادته وأخلاقه ومعاملاته وجميع شؤونه لأن هذا هو المهم أن يكون الإنسان قصده ورجاؤه وإنابته ورجوعه إلى الله عز وجل وبهذا التوحيد ـ أعني توحيد الألوهية والعبادة ـ ينال العبد سعادة الدنيا والآخرة، لأن قلبه ينسلخ عما سوى الله ويتعلق بالله وحده، لا يدعو إلا الله ولا يرجو إلا الله ولا يستغيث إلا بالله ولا يستعين إلا بالله ولا يؤمل كشف الضر إلا من الله عز وجل ولا جلب الخير إلا من الله عز وجل إن عبد فلله وبالله حتى إن الموفق تكون عاداته عبادات والمخذول تكون عباداته عادات، لأن الموفق يستطيع أن يجعل أكله عبادة وشربه عبادة ولباسه عبادة ودخوله عبادة وخروجه عبادة حتى مخاطبة الناس يمكن يجعلها عبادة‏.‏

ويمكن أن نضرب مثلًا بالأكل كيف يكون عبادة‏؟‏

أولًا‏:‏ ينوي به الإنسان امتثال أمر الله في قوله ‏:‏‏{‏وكلوا واشربوا‏}‏ هذا أمر ‏.‏

ثانيًا‏:‏ ينوي الحفاظ على بقائه وعلى روحه لأن الحفاظ على النفس مأمور به حتى العبادة إذا كان الإنسان مريضًا و يخشى على نفسه إن استعمل هذا الماء أن يتضرر فإنه يتطهر بالتيمم بالتراب كل ذلك حماية للإنسان من أن يتضرر ويضر نفسه، ولهذا قال العلماء ـ وصدقوا فيما قالوا‏:‏ إن المضطر إلى الطعام والشراب يجب عليه وجوبًا أن يأكل حتى من الميتة ولحم الخنزير يجب أن يأكل إذا خاف على نفسه التلف لأنه واجب عليه أن ينقذ نفسه إذًا أنوي بالأكل والشرب الحفاظ على نفسي فيكون ذلك عبادة‏.‏

ثالثًا‏:‏ ينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله، فيكون عبادة لأن من القواعد المقررة شرعًا أن للوسائل أحكام المقاصد، فإذا كان هذا الأكل والشرب يعينني على طاعة الله فنويت بهذا الاستعانة على طاعة الله صار عبادة‏.‏

رابعًا‏:‏ أنوي بالأكل التبسط بنعمة الكريم جلا وعلا لأن الكريم يحب أن يتبسط الناس بكرمه وأضرب مثلًا ولله المثل الأعلى لو أن رجلًا من الناس كريمًا قدم طعامًا للآكلين هل رغبته أن يرجع الطعام غير مأكول أو أن يأكله الناس‏؟‏

يأكله الناس طبعًا لأن هذا مقتضى الكرم فأنا إذا أكلت أنوي التبسط بنعمة الله كان عبادة فانظر يا أخي كيف كان الطعام الذي تدعو إليه الطبيعة وتقتضيه العادة كيف أمكن أن يكون عبادة بحسب الانتباه واليقظة والنية بينما يأتي الغافل إلى الصلاة وإلى المسجد على العادة وإذا أتى على العادة صارت عبادته الآن عادة‏.‏

وبهذا يتبين لنا أن توحيد العبادة وتحقيق توحيد العبادة أمر مهم جدًا وهذا ما ندعو إليه أن يحقق الناس العبادة لله وحده‏.‏

ولو قال قائل‏:‏ هل يجوز أن أدعو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏؟‏‏.‏

الجواب‏:‏ لا يجوز أن أقول ‏:‏ يا رسول الله أنقذني من الشدة يا رسول الله ارزقني ولدًا‏.‏ لا يجوز بأي حال من الأحوال، بل هو شرك أكبر مخرج من الملة سواء دعا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو دعا غيره وغيره أقل منه شأنًا وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل فإذا كان دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ شركًا فدعاء غيره أقبح وأقبح والرسول عليه الصلاة والسلام أعظم الناس جاهًا عند الله وقيل له عليه الصلاة والسلام والقائل هو الله ‏:‏‏{‏قل إني لا أملك لكم ضرًا ولا رشدًا ‏.‏ قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدًا‏}‏، أنا لا أملك لكم ضرًا ولا رشدًا ولو أرادني الله بشيء ما وجدت من دونه ملتحدًا يمنعني منه إذًا لمن أتجه بالدعاء‏؟‏ إلى الله عز وجل ‏{‏وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين‏}‏ وليتضح القول في مسألة دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو غيره من المخلوقين نقول‏:‏ الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ جائز وهو أن يدعو مخلوقًا بأمر من الأمور التي يمكن أن يدركها بأشياء محسوسة معلومة قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حقوق المسلم على أخيه ‏:‏ ‏(‏وإذا دعاك فأجبه‏)‏ وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏وتعين الرجل في دابته

‏)‏ الحديث‏.‏

الثاني‏:‏ أن تدعو مخلوقًا سواء كان حيًا أو ميتًا فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أكبر، لأن هذا من فعل الله لا يستطيعه البشر مثل‏:‏ يا فلان اجعل ما في بطن امرأتي ذكرًا‏.‏

الثالث‏:‏ أن تدعو مخلوقًا لا يجيب بالوسائل الحسية المعلومة كدعاء الأموات فهذا شرك أكبر أيضًا لأن هذا لا يقدر عليه المدعو ولابد أن يعتقد فيه الداعي سرًا يدبر به الأمور‏.‏

واعلم‏:‏ أنك لن تدعو الله بدعاء إلا ربحت في كل حال إما أن يستجيب الله دعاءك، وإما أن يصرف عنك من السوء ما هو أعظم، وإما أن يدخرها لك عنده يوم القيامة ثوابًا وأجرًا، فألح في الدعاء وكرر لا تقل ‏:‏ دعوت فلم يستجب لي، انتظر، كل دعوة تدعو الله بها فهي عبادة تنال بها أجرًا سواء حصل المطلوب أم لم يحصل‏.‏

أما توحيد الأسماء والصفات فخلاصته أنه يجب علينا أن نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات كل ما أثبته لنفسه من أسماء أو صفات يجب علينا أن نثبتها ولا يحل لنا أن ننكر ذلك بمقتضى أقيسة باطلة وعقول فاسدة نحن نعلم أن الله عز وجل سمى نفسه بأسماء كثيرة منها ما يمكننا علمه ومنها ما لا يمكننا علمه‏.‏ قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث عبد الله بن مسعود المشهور في دعاء الكرب والغم‏:‏

(‏اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك‏)‏‏.‏ ومعني الدعاء أي‏:‏

كل ما قضيت علي مما أحب أو أكره فهو عدل ليس فيه جور حتى المصائب عدل من الله ‏{‏وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة الشورى، الآية‏:‏ 30‏]‏ ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث‏:‏

(‏أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب غمي‏)‏، هنا يقول‏:‏ ‏(‏أو استأثرت به في علم الغيب عندك‏)‏‏.‏ والذي استأثر به في علم الغيب لا يمكن لأحد معرفته لأن الله استأثر به ولم يٌطلع عليه أحدًا ، ومع هذا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة‏)‏‏.‏

لكن ليس معنى إحصائها ما نجد بعض الناس يقوله ‏:‏ يا الله يا رحمن يا رحيم يا قدوس يا سميع‏.‏‏.‏ حتى يكمل تسعة وتسعين يقول ‏:‏ أحصيتها وأنا داخل الجنة ولا محالة هذا غير صحيح حتى لو وضعها في مسبحة‏.‏

لكن إحصاءها يكون بثلاثة أمور‏:‏

أولًا‏:‏ إحصاؤها لفظًا يعني يلتمسها من الكتاب والسنة حتى يحصيها لفظًا‏.‏

ثانيًا‏:‏ فهمها معنى وإلا فلا فائدة، ما الفائدة من أن تقول ‏:‏ يا رحمن يا رحيم، وأنت لا تدري معنى رحمن ولا رحيم‏.‏

الثالث‏:‏ التعبد لله بمقتضاها بمعنى أنك إذا علمت أنه سميع تدعوه لأنه يسمع، إذا علمت أنه قريب تدعوه لأنه قريب، إذا علمت أنه مجيب تدعوه لأنه مجيب، ولما رفع الصحابة أصواتهم بالذكر قال لهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏

‏(‏يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم ـ يعني هونوا عليهاـ إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا إنما تدعون سميعًا بصيرًا قريبًا إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته وهو معكم‏)‏‏.‏

فتأمل كيف بين لهم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معنى هذه الأسماء‏.‏ قريب سميع بصير‏.‏ إذا علمت أن الله سميع، هل تقول قولًا يغضبه، لا‏.‏ إذا علمت أنه رحيم تتعرض لرحمته، وإذا علمت أنه غفور تتعرض لمغفرته، وهلم جرًا، هذا هو معنى إحصاء أسماء الله عز وجل ولابد أن تثبت لله كل ما أثبته لنفسه من وصف وإن شئت فقل ‏:‏ من صفة‏.‏

وإن من حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا الذي هو فوق حق الوالدين أن نجرد الاتباع له بمعنى ألا نتقدم بين يديه فلا نشرع في دينه ما لم يشرع ولا نتجاوز ما شرعه أو نقصر فيه قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله‏}‏‏.‏‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 31‏]‏‏.‏

وهذه الآية يسميها السلف آية المحنة‏:‏ معناها الامتحان لأن قومًا زعموا أنهم يحبون الله‏.‏ فوضع الله هذا الميزان، فكلما كان الإنسان أحب لله كان لرسوله أتبع وكلما ضعف اتباع الرسول فإن محبة الله في القلب ضعيفة‏.‏

حتى وإن ادعاها مدعيها، نعم هل من محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نتقدم بين يديه ونُحْدِث في دينه ما ليس منه، لا أبدًا‏.‏ ليس هذا من محبة الله وليس هذا من محبة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن محبة الله عنوانها ودليلها وميزانها أن نتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من محبة الله فإذا كانت دعوى محبة الله لا تتحقق إلا باتباع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن دعوى محبة الرسول لا تتحقق إلا باتباع الرسول

ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحينئذ إذا كان هذا الشهر هو الشهر الذي بعث فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكذلك هو الشهر الذي ولد فيه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ما قاله أهل التاريخ إلا أنه لا تعلم الليلة التي ولد فيها وأحسن ما قيل أنه ولد في الليلة التاسعة من هذا الشهر لا الليلة الثانية عشرة خلافًا لما هو مشهور عند كثير من المسلمين اليوم لأن هذا لا أساس له من الصحة من حيث التاريخ وحسب ما حسبه أهل الفلك المتأخرون فإن ولادته كانت في اليوم التاسع من هذا الشهر لكن هل يعلم اليوم الذي ولد فيه‏؟‏

الجواب‏:‏ نعم ولد يوم الاثنين‏.‏ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن يوم الاثنين‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ذاك يوم ولدت فيه‏)‏ لكن اليوم من الشهر لا يعلم يقينًا ولكن أرجح ما قيل فيه هو اليوم التاسع وأيًا كان لا يهمنا في التاسع أو الثاني عشر أو غيره، لكن الذي يهمنا أن نكون لله مخلصين ولنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ متبعين وأن نحقق ذلك الإخلاص وذلك الاتباع لأن دين الإسلام لا يدخل الإنسان فيه إلا إذا قال‏:‏ أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله‏.‏ وشهادة أن محمدًا رسول الله تستلزم اتباعه وطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع فالذي يهمنا أيها الإخوة ‏:‏ ألا نجعل في هذا الشهر أمرًا زائدًا على الشهور الأخرى أبدًا إذا كنا صادقين في أننا نحب الرسول عليه الصلاة والسلام‏.‏ فلنتبع شرعه ولا نتعداه لأن أي بدعة تحدث يتقرب بها الإنسان إلى رب العالمين‏.‏ وليست في دين الله فإنها تتضمن أيها الإخوة الاعتراض على الله وعلى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى الصحابة رضي الله عنهم‏.‏ لأن كل إنسان يحدث في دين الله بدعة يتعبد بها ويتقرب إلى الله بها فإن بدعته هذه تستلزم الطعن أو القدح في الله عز وجل وفي الرسول وفي الصحابة، أما في الله فلأنه إذا ابتدع في دين الله ما ليس منه فقد كذب الله لأنه سبحانه وتعالى يقول‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ فإذا أحدثنا في دين الله شيئًا بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام فمقتضى ذلك التكذيب للآية والقدح في الله عز وجل فإن قيل ‏:‏ كيف يتضمن القدح في الله عز وجل من حيث لا يشعر الإنسان‏؟‏ أي إنسان يبتدع في دين الله ما ليس منه من أذكار أو صلوات أو غيرها مما يتقرب به إلى الله‏.‏ نقول ‏:‏ إذا كنت تتقرب بذلك إلى الله، فإن ذلك دين تدين الله به وترجو به ثوابه والنجاة من عقابه فأين أنت من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏}‏ كيف يكون كمالًا وأنت تأتي بعده بجديد هل يكون كمالًا يحتاج إلى تكميل فيما بعد‏.‏

الجواب‏:‏ لا يكون ذلك، كما أن فيه انتقاصًا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث أخبر بكمال الدين وذلك في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم ‏.‏‏.‏‏}‏ وكذلك انتقاصًا لله عز وجل لأن الله عز وجل بيّن كمال الدين كما في الآية الكريمة وكذلك فيه انتقاص للصحابة رضوان عليهم من حيث إنهم كتموا شيئًا من الشريعة الإسلامية‏؟‏

وكذلك اتهام لهم رضوان الله عليهم بالجهل في دين الله عز وجل‏.‏

ومن هذا الكلام يتبين أن من ابتدع في دين الله عز وجل فإن بدعته هذه تتضمن القدح في‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ الله عز وجل‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏

3‏.‏ 3‏.‏ وفي الصحابة رضوان الله عليهم‏.‏

أيها الإخوة‏:‏ نحن لا نتهم صانعي هذه البدع أو محدثي هذه البدع كلهم بسوء القصد، قد يكون قصدهم حسنًا ولكن هل يكفي في العبادة أن يكون قصد الإنسان حسنًا أو لابد من المتابعة‏؟‏

لابد من المتابعة، ليس كافيًا أن يكون قصد الإنسان حسنًا وإلا ابتدع كل واحد في دين الله ما يريد، ويقول ‏:‏ أنا قصدي حسن، أقول ‏:‏ ليس كل إنسان يحدث بدعة نسيء الظن به‏.‏

نحن نحسن الظن بكثير منهم لكن ليس كل من كان قصده حسنًا يكون فعله صوابًا وحسنًا ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنًا‏}‏ ‏[‏سورة فاطر، الآية‏:‏ 8‏]‏ نقول للذي يبتدع أي بدعة في دين الله ‏:‏ ماذا تريد‏؟‏ قال‏:‏ أريد التقرب إلى الله عز وجل فنقول‏:‏ تقرب إلى الله بما شرع، فيه الكفاية، تقرب إلى الله بما درج عليه السلف الصالح والصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين ففيه الكفاية لا تتعب نفسك بأمر لم يشأه الله فيعود عليك بالضرر قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة‏)‏ ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية لأن معنى البدع أن الشريعة الإسلامية لم تتم وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم‏.‏

وأنا أعجب ممن يقسمون البدع إلى أقسام ويجعلون من البدع بدعًا حسنة، مع أن أعلم الخلق وأنصح الخلق وأفصح الخلق يقول باللسان العربي المبين يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ولا أعظم من هذا العموم عموم مستوف ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏، لا نستطيع بعقولنا القاصرة أن نقول ‏:‏ إن البدعة تنقسم إلى أقسام منها واجب ومنها مستحب ومكروه وحرام‏.‏

ليس في الدين بدعة حسنة أبدًا، أما السنة الحسنة فهي التي توافق الشرع، وهذه تشمل أن يبدأ الإنسان بالسنة أي يبدأ العمل بها، أو يبعثها بعد تركها، أو يفعل شيئًا يسنه يكون وسيلة لأمر متعبد به فهذه ثلاثة أشياء‏:‏

الأول‏:‏ إطلاق السنة على من ابتدأ العمل ويدل له سبب الحديث فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حث على التصدق على القوم الذين قدموا عليه، ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم في حاجة وفاقة، فحث على التصدق فجاء رجل من الأنصار بصرة من فضة قد أثقلت يده فوضعها في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها‏)‏ فهذا الرجل سن سنة، ابتداء عمل لا ابتداء شرع‏.‏

الثاني‏:‏ السنة التي تركت ثم فعلها الإنسان فأحياها فهذا يقال عنه ‏:‏ سنها بمعنى أحياها وإن كان لم يشرعها من عنده‏.‏

الثالث‏:‏ أن يفعل شيئًا وسيلة لأمر مشروع مثل بناء المدارس وطبع الكتب فهذا لا يتعبد بذاته ولكن لأنه وسيلة لغيره فكل هذا داخل في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها ‏(‏‏.‏

لكن قد يعترض معترض فيقول‏:‏ هل أنتم أعلم ممن نطق الكتاب بموافقته كما حصل من عمر ابن الخطاب رضي الله عنه حينما أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس برمضان، بإمام واحد وكان الناس يصلون أوزاعًا ثم جمعهم عمر رضي الله عنه‏.‏ فخرج ذات ليلة وهم يصلون فقال‏:‏ نعمت البدعة هذه‏.‏ والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون‏)‏‏.‏

فالجواب عن ذلك من وجهين‏:‏

الوجه الأول‏:‏ أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأي كلام، لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة النور، الآية‏:‏ 63‏]‏ قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ ‏:‏ ‏(‏أتدري ما الفتنة‏؟‏ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك‏)‏‏.‏ا‏.‏ هـ‏.‏

وقال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ‏(‏يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول ‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقولون ‏:‏ قال أبو بكر وعمر‏)‏‏.‏

الوجه الثاني‏:‏ أننا نعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد الناس تعظيمًا لكلام الله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان مشهورًا بالوقوف على حدود الله تعالى حتى كان يوصف بأنه كان وقافًا عند كلام الله تعالى‏.‏ وما قصة المرأة التي عارضته ـ إن صحت القصة ـ في تحديد المهور بمجهولة عند الكثير حيث عارضته بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتيتم إحداهن قنطارًا‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة النساء، الآية‏:‏ 20‏]‏‏.‏ فانتهى عمر عما أراد من تحديد المهور لكن هذه القصة في صحتها نظر‏.‏ لكن المراد بيان أن عمر كان وقافًا عند حدود الله تعالى لا يتعداها، فلا يليق بعمر رضي الله عنه وهو من هو أن يخالف كلام سيد البشر محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يقول عن بدعة ‏:‏‏(‏نعمت البدعة‏)‏ وتكون هذه البدعة هي التي أرادها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة ‏(‏بل لابد أن تنزل البدعة التي قال عنها عمر ‏:‏ إنها ‏(‏نعمت البدعة‏)‏ على بدعة لا تكون داخلة تحت مراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ فعمر رضي الله عنه يشير بقوله‏:‏ ‏(‏نعمت البدعة هذه‏)‏ إلى جمع الناس على إمام واحد بعد أن كانوا متفرقين، وكان أصل قيام رمضان من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قام في الناس ثلاث ليال وتأخر عنهم في الليلة الرابعة وقال‏:‏ ‏(‏إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها‏)‏‏.‏ فقيام الليل في رمضان جماعة من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، وسماها عمر رضي الله عنه بدعة باعتبار أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما ترك القيام صار الناس متفرقين يقوم الرجل لنفسه، ويقوم الرجل ومعه الرجل، والرجل ومعه الرجلان، والرهط، والنفر في المسجد، فرأى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه برأيه السديد الصائب أن يجمع الناس على إمام واحد فكان هذا الفعل بالنسبة لتفرق الناس من قَبْل بدعة، فهي بدعة اعتبارية إضافية، وليست بدعة مطلقة إنشائية أنشأها عمر رضي الله عنه، لأن هذه السنة كانت موجودة في عهد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي سنة لكنها تركت منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام حتى أعادها عمر رضي الله عنه وبهذا التقعيد لا يمكن أبدًا أن يجد أهل البدع من قول عمر هذا منفذًا لما استحسنوه من بدعهم‏.‏

من العلماء من قسم البدعة إلى أقسام ومنها بدع حسنة فما الجواب عن ذلك‏؟‏

والجواب عن ذلك أن نقول‏:‏ ما ادعاه العلماء من أن هناك بدعة حسنة‏.‏ فلا تخلو من حالين‏:‏

1‏.‏ 1‏.‏ أن لا تكون بدعة لكن يظنها بدعة‏.‏

2‏.‏ 2‏.‏ أن تكون بدعة فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها‏.‏

فكل ما ادعي أنه بدعة حسنة فالجواب عنه بهذا ‏.‏ وعلى هذا فلا مدخل لأهل البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ ‏.‏ إن هذا السيف الصارم إنما صنع في مصانع النبوة والرسالة، إنه لم يصنع في مصانع مضطربة، ولكنه صنع في مصانع النبوة، وصاغه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه الصياغة البليغة فلا يمكن لمن بيده مثل هذا السيف الصارم أن يقابله أحد ببدعة يقول ‏:‏ إنها حسنة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏كل بدعة ضلالة‏)‏ أيها الإخوة‏:‏ في هذا الشهر يحدث بعض المسلمين احتفالًا يسمونه، عيد المولد، هو والحمد لله في بلادنا ليس بذاك المشهور لكن أقول ‏:‏ إنه يوجد في بعض البلاد الإسلامية من يحتفل بما يدعونه ليلة المولد لا على المستوى الشعبي فحسب بل حتى على المستوى الرسمي، والحقيقة أن هذا مؤلم، كيف نتلهى بالقشور بل كيف نتلهى بالعظام التي تجرح حلوقنا لنبتلعها، ثم نترك ما هو من أهم المهمات بل هو أهم المهمات وهو أصول الدين، ندعها تجرح الدين أمام هؤلاء ولا أحد منهم ينبض بكلمة إلا من شاء الله، كيف نحتفل ونقيم الأعياد والحلوى والاجتماع والأذكار وليتها أذكار سالمة، إننا نسمع أن بعضهم ينشد القصائد التي والله لا يرضاها الله ولا رسوله، لقد قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام ‏(‏ما شاء الله وشئت فقال‏:‏ أجعلتني لله ندًا بل قل ‏:‏ ما شاء الله وحده‏)‏‏.‏

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ** سواك عند حلول الحادث العمم

فنقول له بكل بساطة ‏:‏ لك من تلوذ به سوى رسول الله وهو الله عز وجل الذي قال له‏:‏ ‏{‏قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدًا‏}‏ ‏[‏سورة الجن، الآية‏:‏ 22‏]‏‏.‏

كيف تقول ‏:‏ يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم‏.‏ ليته الحادث الخاص، الحادث الخاص قد تشكو إلى زيد أو عبيد ويقضي حاجتك، الحادث العمم كالفيضانات الصواعق الزلازل إذا أصابت الرجل عنده من يقول ‏:‏ مالي من ألوذ به سوى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، هكذا يقول أما من كان على الفطرة، فإنه يلوذ بالله وحده وهذا هو الحق‏.‏

ومما تقدم يتبين لنا أن الاحتفال بالمولد النبوي لا يجوز بل هو أمر مبتدع وذلك لأمرين‏:‏

أولًا‏:‏ ليلة مولد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليست معلومة على الوجه القطعي، بل إن بعض العصريين حقق أنها ليلة التاسع من ربيع الأول وليست ليلة الثاني عشر منه، وحينئذ فجعل الاحتفال ليلة الثاني عشر منه لا أصل له من الناحية التاريخية‏.‏

ثانيًا‏:‏ من الناحية الشرعية فالاحتفال لا أصل له أيضًا لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي، ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بلغه لأمته ولو فعله أو بلغه لوجب أن يكون محفوظًا لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون‏}‏ فلما لم يكن شيء من ذلك علم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل ونتقرب به إليه، فإذا كان الله تعالى قد وضع للوصول إليه طريقًا معينًا وهو ما جاء به الرسول، ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكيف يسوغ لنا ونحن عباد أن نأتي بطريق من عند أنفسنا يوصلنا إلى الله‏؟‏ هذا من الجناية في حق الله عز وجل أن نشرع في دينه ما ليس منه، كما أنه يتضمن تكذيب قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي‏}‏‏.‏ فنقول ‏:‏ هذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلابد أن يكون موجودًا قبل موت الرسول، عليه الصلاة والسلام، وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين لأن الله تعالى يقول‏:‏ ‏{‏اليوم أكملت لكم دينكم‏}‏ ومن زعم أنه من كمال الدين وقد حدث بعد الرسول،ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإن قوله يتضمن تكذيب هذه الآية الكريمة، ولا ريب أن الذين يحتفلون بمولد الرسول، عليه الصلاة والسلام إنما يريدون بذلك تعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإظهار محبته وتنشيط الهمم على أن يوجد منهم عاطفة في ذلك الاحتفال للنبي، ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكل هذا من العبادات، محبة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبادة بل لا يتم الإيمان حتى يكون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب إلى الإنسان من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين، وتعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من العبادة، كذلك إلهاب العواطف نحو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الدين أيضًا لما فيه من الميل إلى شريعته، إذًا فالاحتفال بمولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أجل التقرب إلى الله وتعظيم رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبادة وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أبدًا أن يحدث في دين الله ما ليس منه، فالاحتفال بالمولد بدعة ومحرم، ثم إننا نسمع أنه يوجد في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة مالا يقره شرع ولا حس ولا عقل فهم يتغنون بالقصائد التي فيها الغلو في الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى جعلوه أكبر من الله والعياذ بالله ومن ذلك أيضًا أننا نسمع من سفاهة بعض المحتفلين أنه إذا تلا التالي قصة المولد ثم وصل إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ولد المصطفى‏)‏ قاموا جميعًا قيام رجل واحد يقولون ‏:‏ إن روح الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حضرت فنقوم إجلالًا لها وهذا سفه، ثم إنه ليس من الأدب أن يقوموا لأن الرسول، ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يكره القيام له فأصحابه وهم أشد الناس حبًا له وأشد منا تعظيمًا للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يقومون له لما يرون من كراهيته لذلك وهو حي فكيف بهذه الخيالات ‏؟‏ ‏!‏

وهذه البدعة ـ أعني بدعة المولد ـ حصلت بعد مضي القرون الثلاثة المفضلة وحصل فيها ما يصحبها من هذه الأمور المنكرة التي تخل بأصل الدين فضلًا عما يحصل فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء وغير ذلك من المنكرات‏.‏

وهؤلاء الذين فعلوا هذه البدعة عند بعضهم حسن نية لكن أرجو منهم أن يتأنوا في الأمر، وأن يتأملوا فيه ، هل فعلوا ذلك عبادة لله فليأتوا ببرهانهم أن ذلك من باب التعبد لله، ولماذا لم يتعبد به الصحابة و التابعون وأئمة الإسلام بعدهم هل أتوا بذلك محبة للرسول عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فإن الحبيب يقتدي بحبيبه ولا يتجاوز خطاه‏.‏ هل أتوا بذلك تعظيمًا للرسول عليه الصلاة والسلام وهو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يريد ذلك لنفسه ونهى أمته عن الغلو فيه كما غلت النصارى بعيسى بن مريم هل قالوا ذلك تقليدًا للنصارى حيث كانوا يحتفلون بمولد عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، إذا كان كذلك فالأمر فادح لحديث ‏(‏من تشبه بقوم فهو منهم‏)‏، والذي يظهر لي والله أعلم أن ذلك من باب مراغمة النصارى لأن النصارى يحدثون احتفالًا بمولد عيسى بن مريم، وقالوا‏:‏ إذًا نحن نضادهم ونوجد احتفالًا لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويدل على هذا أنهم جعلوا الاحتفال بالمولد وحقيقة الأمر أن النعمة لم تتم إلا برسالته ‏{‏لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا‏}‏، ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 164‏]‏ وموضع المنة ‏(‏بعث‏)‏ وهذا يقرب أن الذي ابتدع هذه البدعة أراد مضادة النصارى، ومشاركتهم في إحداث المولد بعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وعلى كل حال فإنني أبين ذلك حتى لا تغتر بتلك البدعة لأن الحق ما قام الدليل عليه، وليس الحق فيما عمله الناس، الذين كانوا بعد القرون الثلاثة، لأننا نقول ‏:‏ إن الإجماع قد دل على أن هذا ليس من العبادة في شيء إجماع من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لأن هذه البدعة حدثت في القرن الرابع من الهجرة وانتشرت ومع الأسف أنها لم تُبين للناس على حقيقتها، وإلا فإني أعتقد والعلم عند الله أنها لو بينت على حقيقتها ما كان الناس يتعبون في أمر لا يعود عليهم إلا بالضرر، أبدًا الإنسان المؤمن عاقل وحازم وفطن، كل شيء يعود عليه بالضرر لا يمكن أن يفعله أبدًا مهما كان، ولذلك أسأل الله تعالى لإخواني هؤلاء أن يوفقني وإياهم للصواب، حتى يتبعوا الرسول عليه الصلاة والسلام بالعقيدة والقول والعمل‏.‏

ثم إننا نحث إخواننا ولا سيما الشباب على أن يحرصوا غاية الحرص على دعوة إخوانهم إلى الحق ولكن ليكن ذلك باللطف واللين وبيان الحق لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف‏)‏ وهذا كلام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو لا ينطق عن الهوى‏.‏

جاء مرة يهودي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وعنده عائشة فقال‏:‏ السام عليكم ـ والسام هو الموت ـ قالت عائشة رضي الله عنها ‏:‏ عليك السام واللعنة ‏.‏ فنهاها الرسول عليه الصلاة والسلام وقال‏:‏ ‏(‏إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا‏:‏ وعليكم ‏(‏إن كانوا قائلين ‏:‏السام عليكم قلنا ‏:‏ وعليكم يعني عليكم السام عاملناهم بالعدل، إن كانوا قالوا ‏:‏ السلام عليكم قلنا ‏:‏ وعليكم يعني السلام‏.‏ ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في كتابه أحكام أهل الذمة قال‏:‏ إذا قال اليهودي أو النصراني ‏:‏ السلام عليكم وأظهر اللام قل ‏:‏ عليكم السلام ولا حرج لأنه قال‏:‏ السلام عليكم‏.‏ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ قولوا ‏:‏ وعليكم، والواو حرف عطف فيكون المعطوف مماثلًا للمعطوف عليه‏.‏ إذًا إن كانوا قالوا ‏:‏ السلام يقول ‏:‏ وعليكم السلام وهذا من العدل قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها‏}‏‏.‏

المهم أقول لإخواني الشباب أن يدعوا إلى الله على بصيرة وعلم بالرفق واللين ولا ييأسوا قد تحصل من المدعو نفرة في أول الأمر وكراهية لكن إذا عومل بالتي هي أحسن وبدون عنف وباللين فإن الله عز وجل يقول لموسى وهارون ‏:‏ ‏{‏اذهبا إلى فرعون إنه طغى ‏.‏ فقولا له قولًا لينًا ‏(‏لماذا‏؟‏‏)‏ لعله يتذكر أو يخشى‏}‏‏.‏ ‏[‏سورة طه، الآيتان‏:‏ 43-44‏]‏، فهكذا ينبغي على كل داعية إلى الخير أن يقابل الناس باللين وبيان الحق وأن يصبر على ما يجد من جفوة قد يجد جفوة أو نفرة فليصبر أليس الرسول عليه الصلاة والسلام وهو أكرم الخلق عند الله يأتي المشركون إليه وهو ساجد تحت الكعبة ويضعون عليه سلا الناقة دم وفرث وسلا وهو ساجد لله رب العالمين‏؟‏‏!‏‏.‏

ومع ذلك صبر عليه الصلاة والسلام فكانت العاقبة له ‏{‏تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين‏}‏ ‏[‏سورة هود، الآية‏:‏49‏]‏ واعلم أنك لا تصاب بمثل هذه النفرة أو الكلام عليك إلا أجرت عليه إذا صبرت‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واصبروا إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏[‏سورة الأنفال، الآية‏:‏ 46‏]‏ ‏{‏إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون‏}‏ ‏[‏سورة النحل، الآية‏:‏ 128‏]‏ كما أدعوكم أيضًا إلى الاتفاق فيما بينكم لا تكونوا أحزابًا متفرقين أنا أعتقد أن كل واحد من هذا الشباب الصالح لا يريد إلا الحق والخير، إذا كان كذلك لماذا نتفرق في جماعة تبليغ‏.‏ يأتي ناس يكفرونهم ويضلونهم وفي جماعة إخوان مسلمين وجماعة سلفيين وجماعة، أشياء متعددة، لماذا لا نتفق ونكون جماعة واحدة المخطئ منا يصوبه المصيب والمصيب يحمد الله على الصواب أما أن نتفرق هذا خطأ والواجب أن نكون يدًا واحدة وألا تتفرق كلمتنا وأن نكون كما قال الله عز وجل ‏:‏ ‏{‏إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون‏}‏ ‏[‏سورة الأنبياء، الآية‏:‏ 92‏]‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم‏}‏، ‏[‏سورة آل عمران، الآية‏:‏ 105‏]‏ وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏{‏إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء‏}‏ ، ‏[‏سورة الأنعام، الآية‏:‏ 159‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏‏{‏شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه‏}‏‏.‏‏[‏سورة الشورى، الآية‏:‏13‏]‏‏.‏ أسأل الله تعالى أن يجمع كلمتنا على الحق وأن يهدينا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونسأله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه والاستقامة عليه وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين‏.‏

تم بحمد الله تعالى المجلد السابع

ويليه بمشيئة الله عز وجل المجلد الثامن